مذكرات محمدالجامعي:لقيتها يا ليتني لم اكن ألقاها

متى نُصاب بداء العشق؟ في لحظات القرب أم في المسافات البعيدة؟
هل كان سحرها حقيقيًا أم مجرد غموض أحاط بها كالهالة؟
ليتني بقيت بعيدًا لحضة
الافتتان الأول
يا ليتني لم أدنُ منها عندما لاح طيفها لعيني للمرة الأولى وأُعجبت بها. لو بقيت أتأملها من بُعد، كناظر إلى بحر هادئ يتلألأ تحت ضوء القمر. كانت تتراءى لي كجزيرة ساحرة، شواطئها الفيروزية تتلاطم مع أمواج خيالي الذي رسم لها أجمل الصور.
تسللت إلى قلبي بخفة الهواء وسرعة البرق، تحمل معها قوة غامضة لا يمكن مقاومتها. استوطنت أعماق فؤادي دون استئذان، كضيف اتخذ من بيتك مقامًا دائمًا. كانت حلمًا عذبًا لا تود الإفاقة منه، لكنك تكتشف لاحقًا كم ثقل هذا الحلم على واقعك.
حاولت ان أخرجها لكن أبت الرحيل، واتخذت من داخلي موطنًا وعنوانًا. غرست جذورها في أعمق نقاط روحي وأعلنت سيادتها المطلقة.
تعلقت في الماضي بأشياء كثيرة ظننت أنها تناسبني، منحتني لحظات سعادة خاطفة عندما اقتربت منها. لكن في النهاية، تبددت تلك الهالة السحرية التي كانت تلفها، وبدأ الواقع يكشف وجوهها التي لم أكن أتوقعها إلا هذه المرة…
ربما لم تكن المشكلة في القرب ولا في البُعد، بل في قلبي الذي فتح أبوابه على مصراعيها لها دون تحفظ. ظننت أنه قادر على احتواء كل شيء دون أن يتصدع. لكن مع مرور الزمن، أدركت أن الاقتراب قد يُفسد السحر، وأن هناك جمالًا خاصًا في البقاء على مسافة، حيث تظل الصورة مثالية كما تصورتها.
ليتني تعلمت أن أراقب ما يُعجبني من بعيد، وأتركه يحتفظ بسحره الغامض، دون أن أُفسده بمحاولة امتلاكه. لقد فهمت أن لكل تجربة ثمنها، وأن القرب الذي آذاني يومًا علمني درسًا لن أنساه: ليس كل ما يُعجبك يستحق أن تقترب منه.
صدقت نبوءة الشاعر العراقي معروف الرصافي حينما قال (لقيتها يا ليتني لم ألقاها)
يتبع