مذكرات محمدالجامعي:  عندما يصبح العطاء وجعاً

في لحظة واحدة، نظرة واحدة منها، انهار كل ما ظننت أنه راسخ في قلبي. كنت أحسب أن العشق قد عرفني قبل مجيئها، لكن حين وقعت عيناي عليها أيقنت أن كل ما سبق لم يكن سوى أوهام تتراقص في الفراغ.
رأيتها… وللمرة الأولى في حياتي تمنيت أن تكون الرؤية خداعاً، أن يكون ما أراه مجرد حلم عابر. لكن المشهد نقش نفسه في أعماقي بحروف من نار، أصبح جزءاً مني لا يمحى. بعدها، صار كل شيء آخر مجرد عتمة باهتة، وصرت أنا أسير ذكرى لن تعود.
غذيتها بخبز الحنان وماء المحبة، ألبستها من أجمل ما تشتهي العيون، وحرست شبابها كما تحرس الأم فلذة كبدها. كل فجر جديد كان همي أن أراها تنمو وتزهر، كل يوم كنت أنثر في طريقها بذور السعادة، وأقطف من ربيع عمري لأجعل دربها مفروشاً بالورود. كبرت أمامي كحلم يتجسد، تحولت إلى شيء يتجاوز كل تصور في الجمال والبهاء.
ولكن… في ليلة عرسها، تلك الليلة التي كان من المفترض أن أكون فيها شريكاً في فرحتها، أن أكون الروح التي ترقص طرباً لأجل سعادتها. في تلك الليلة مدت يدها، ليس لتعانقني أو تشكرني، بل لتنقش حنتها الاولى إعلاناً للعالم أنها أصبحت ملكاً لآخر، أنها اختارت قلباً غير قلبي.
في تلك اللحظة الفاصلة، شعرت وكأنني خارج اللوحة، مراقب من بعيد لمشهد لست جزءاً منه. وجدتني منزوياً في الركن، كشيء منسي لا قيمة له، لا انا من أهل العروس و لا أنا من أصحاب العريس. كنت مجرد شاهد صامت على حكاية لم يُكتب اسمي في صفحاتها.
يا لقسوة القدر! أن تكون الزارع والساقي، ثم تُنسى في موسم القطاف. أن تقف خلف الستائر تصفق في صمت، بينما الأضواء تتسابق لتضيء كل الوجوه إلا وجهك.
ما أمر أن ترى غرسة عشقك تُقطف بأيادٍ أخرى، أن تحضر أجمل اللحظات دون أن يُنادى عليك أو يُذكر فضلك. أحسست في تلك الليلة أنني لم أكن أكثر من محطة عابرة في رحلتها، مكان استراحت فيه قليلاً قبل أن تمضي إلى وجهتها الحقيقية.
لكن اليوم، بعد أن هدأت العاصفة في صدري، أدركت حقيقة عميقة: أحياناً لا يكون العشق امتلاكاً، بل يكون عطاءً خالصاً. ورغم كل هذا الألم الذي يسكنني، سأظل أحمل الفخر لأنني كنت السبب في ابتسامتها الأولى، في ذلك الجمال الذي سحر القلوب وأبهر الأنظار. حتى لو أزالتني من ذاكرتها، فلن أستطيع أن أمحو من قلبي أنني كنت عالمها كله في زمن ما.
وفي النهاية، ربما تكون هذه هي أنقى صور العشق : أن تعشق دون انتظار، أن تعطي دون حساب، أن تكون السبب في سعادة أحدهم حتى لو لم يعد هناك مكان لك في تلك السعادة.